#308: هل ينجح هذه المرة؟
على الرمال الدافئة، جَلَست تتأمل انعكاسات أشعة الشمس على مياه البحر، وتتابع بعينها بريق الأشعة يتنقل بين الأمواج.. وكذلك تنقلت أفكارها مع حركة المياه، فكلما جائت موجة أخذت من أفكارها شيءً فشيء حتى هربت جميع أفكارها منها فدعتهم يذهبوا مع أشعة الشمس واستمتعت هي بلحظة من السكون والإطمئنان.. فتمنت ألا تنتهي هذه اللحظة أبدًا..
وأثناء تأملها الهادئ، التفتت لتنظر من يُحيطها من الناس شمالًا ويمينًا، فرأته بعيدًا.. رأته متوترًا يبحث عن شيء قد ضاع منه، ففهمت أنه يبحث عنها هي .. أعادت رؤيته لها جميع الأفكار التي كانت تُلقيها في البحر، فأعادت ذلك الشعور بالخوف، أو القلق، من حدوث شيءٌ ما لا تعلمه، ولكنها تخشى حدوثه، كأنه شىءٌ قد يقيد حريتها التي قد حظت بها ولو للحظاتٍ قليلة وهي بعيدةً عنه.. ارتابها الذعر .. فجريت هروبًا منه.. وظلت تجري إلى أن رآها هو..
كان أسرع منها بطبيعة الحال، فسبقها حتى لحق بها وظل يجري بجانبها ناظرًا إليها ليُلفت انتباهها .. انتبهت له فتوقفت عن الهروب ووقفت أمامه حتى هدأت أنفاسهما ..
- "بتهربي مني على فين بس؟!"
- "لا مابهربش ولا حاجة، بس حسيت إني عايزة أجري.. أنت لاقتني إزاي؟"
- "هو أنا أقدر أسيبك تغيبي عن عيني؟!"
- "لا مابهربش ولا حاجة، بس حسيت إني عايزة أجري.. أنت لاقتني إزاي؟"
- "هو أنا أقدر أسيبك تغيبي عن عيني؟!"
قال كلماته هذه ظنًا منه أنه يُلاطفها، ولا يعلم كم هي كلماتٍ ثقيلة تقع على قلبها كالحجر..
نظرت بعيدًا بابتسامة خافتة لتُخفي اليأس الذي قد ملأها.. فليست تلك هي المحاولة الأولى للهروب منه..
انتظر لثوانيٍ قليلة ثم التفت إليها ليقابل عينها وقال: "تحبي نرجع؟"
هزت رأسها بأنها موافقة، وبحركةٍ لا إرادية نظرت إليه فالتقت عينهما للحظة ثم تفرقا سريعًا ..
أخذا يمشيان جنبًا إلى جنب بينما ترتطم المياه بأقدامِهما دون أن يتعدى أحدهما المسافة التي بينهما.. كانت تتركه يسبقها ببعض الخطوات، لكنه كان يبطئ خطوته كلما سبقها حتى لا يبتعد عنها كثيرًا ..
'لم يتغير شيء' .. ظلت هذه الجملة تراود عقله .. نظرتها إليه لم تتغير، فمازالت قاسية، لا تُرحب بوجوده.. ألم يحن قلبها له ولحبهما؟ ألن تغفر له خطيئته؟ نعم، فهو يعلم حق العلم بحقيقة ما تشعر هي به، ولكنه أكثر جُبنًا من أن يصارحها.. أكثر جُبنًا من أن يعتذر.. فكيف لخائن الثقة أن يستعيدها؟ وهي قد ائتمنته على برائتها وساذجتها.. وبالرغم من اعترافه لنفسه أنه من حقها أن تثور عليه، لكنها لم تغضب ولم تدينه بأي خطأ، فقد تفهمت تمامًا أن ما حدث منه هو مجرد خطأٌ بشري، قد يقع فيه أي إنسان.. لكنه لم يكن بالنسبة لها إنسانًا عاديًا، فقد كان حبيبها ومثلِها الأعلى .. لكنها انزويت قليلًا، دون أن تعي ما تفعله، وكان طلبها الوحيد هو أن تبتعد عنه قليلًا.. كانت فقط تتمنى لو تستطيع أن تُشغِل بالها بغيره، ولو لساعاتٍ قليلة .. لكنه كان أجبن من أن يتركها تبتعد عنه فتُبعده عنها.. فلم يُحقق لها طلبها، وفضّل أن يحبسها بمشاعره لعلها تُعيد تتويجه ملكًا بعد أن قد نزعت منه حق الملكية..
ظل سائرًا بجانبها مُتبعًا لشروطها، وماددًا لها يديه لتُمسِك بها يحين يروادها قلبها حنينًا وشوقًا، فقد ينجح هذه المرة ..
Comments