#304: الصغيرة وحبيبته

ظل يراقب الصغيرة وهي تلعب بمفردها غير مبالية بما يدور حولها من أمور يفعلها الكبار بكل جدية ومشقة، متعجبًا من ثبات حالتها وانفعالاتها وكأن روحها غادرت الأرض لتسكن عالم أخر لبضع ساعات، ربما ذهبت إلى جنةٍ ما، فلا يمكن أن تكون مازالت معنا في هذا العالم، ربما جسدها ظل هنا ليُمثل بعض الحركات التي تتراقص بها روحها في عالمها الخاص، لا أكثر..
ذكرته تلك الصغيرة بحبيبته الأولى.. كانت حبيبته تتمرد على كل ما يدور حولها بسلامٍ يتعجب له الجميع.. كانت غير مثيلاتها من البنات اللواتي في مثل عمرها.. كان كلامها وأفكارها وحتى اختياراتها لملابسها يختلف عن ما قد تميل إليه الأخريات.. لكنك لن تستطيع تمييز هذا الاختلاف من بعيد، فقد كانت تتعمد خفي هذا الاختلاف ليتماهى في ما يشابهه حتى لا تشُذ عن البقية فتشوه الصورة.. كأنها وردة حمراء خفية رسمها فنانٌ ما في الجانب الأيمن من لوحة لحقل قمح، لا يستطيع أحد ملاحظتها إلا إذا انتبه.. كانت هي الوردة التي بدونها تبدو اللوحة مكتملة الأركان، ولكنها أضافت للوحة جمالًا ونورًا لم يكن بالحسبان..
تذكرها لأنه كان لها هذا السحر الذي يُجذب النظر إليها، بل إلى روحها، فلا تستطيع أن تشح نظرك بعيدًا عنها، ولا تستطيع شرح لماذا لم يعد بإمكانك رؤية العالم بدونها.. مثل سحر تلك الصغيرة، التي تحدت الواقع حولها بكل ما فيه من قسوة وحدة وألم.. تحدته فخلقت لها عالمًا أخر تذهب إليه كلما أرادت أن تخبُر فطرتها الحقيقية بكل ما فيها من براءة وأنوثة..
ظل يشاهد الفتاة ويتذكر حبيبته حتى احترق قلبه حزنًا على ما ضاع من عمره وهو تائه في وهمٍ اسماه المجتمع حوله "واقع".

Comments

Popular posts from this blog

#239 - عن حُبي لَكَ

#181: What's wrong with you people?

#260: الخوف بيوجه للطمأنينة