#237: أضللنا الطريق؟!
مُنذُ أن توفى والدها وهي صغيرة وقد أصبحت شخصٌ آخر. كانت طفلة تملئُها البراءة والإصرار والحماسة والأمل لأن تُصبح إمرأة ذات شأنٍ عظيم في يومٍ ما. كنت أظنها ستصبح بطلة في رياضة كرة السلة، لما كان لها من نهم شديد للتدرب واللعب. وهي طفلة كانت تأتي إليّ دومًا لتلعب معي، كنت أكبرها بخمس سنوات على ما أتذكر، كنتُ أنا أيضًا طفلة، ولكني كنت أُعاملها كأختًا صغيرةً لي، التي يجب عليّ أن أكون لها قدوة ومثل أعلى. كنت أحبها حقًا، وكنت أتشوق لرؤيتها واللعب معها جميع الألعاب، وكنت أُحِبُ كثيرًا حصص السباحة التي كنت أقوم فيها بدور مدرب السباحة الخاص بها.
ثم نضجتُ، وأصبحتُ لا أميل لنوع الألعاب التي تُريد هي أن تلعبها. ثم مات والدها، من كان القدوة الحق في حياتها، من كانت تشعر معه بالسعادة المطلقة، من كانت متعلقة به حق التعلق. ماتَ، وماتت معه طفولتها وبراءتها. مُنذُ ذلك الوقت، ظلت تبتعد هي عني. كنتُ أظن ذلك بسبب اختلاف أعمارنا، فما عدتُ أنا أهتم لما هي تهتم به، وأصبحت هي تتوق لمصاحبة أشخاصٌ آخرين، من يقربونها سنًا. مرت السنين وهي تكبرُ أمام عيني، فأصبحت تلك الفتاة اليافعة الجميلة، وكم أعجبني طولها الذي طالما تخيلته لها. وكلما مرت السنين، كلما تباعدنا، فلم نعُد أصدقاء بالمرة، وقد كنت في يومًا من الأيام أحسبها أختًا لي. وظل يُخَيّم عليا الندم أحيانًا، كلما تذكرت كم كنت أُحبها، ومازالت، فأنا، التي كنت أحسبني أختًا كبيرةً لها، لم أبذل أي جهد لأن أكون بجانبها دائمًا، خاصةً بعد صدمتها الأولى في الحياة، موت أبيها.
ظلت السنين تمضي، وظللنا نكبر بالعمر وننضج، وظلت تبعد عني هذه الفتاة الشقية الجميلة البريئة، حتى وجدتها تتهرب مني كلما ألمحها، وألمح ما آلت إليه شخصيتها وحياتها واختياراتها. كأنها ضلت الطريق، الطريق الذي كنتُ أتمناه وأتصوره لها، وكانت تهرب هي من مواجهتي كأنها تعلم جيدًا أنها ضلت الطريق. تزوجت الفتاة زيجة لم أكن بعمري أتخيلُها لها، فهي تستحق أفضل بكثير مما هي ارتضت به. ليست هذه هي أحلامها، ليست هذه هي الطفلة الشقية الشجاعة البريئة. وعندما رأيتها هذا العام، بعد أن علِمت بزواجها، ألوحتُ لها بيدي من بعيد، وهي ردت لي تلويحة اليد مع ابتسامة خافتة، وقد كان هذا هو التواصل الوحيد بيننا.
لعلها سعيدة، ولعل هذا هو الطريق المقدر لها أن تمشيه لأنه الأنسب لها، ولكني لا ارتضيهُ لها، وأرى أنها تستحق ما هو أفضل. أعلمُ جيدًا أن نظرتي قاصرة، وأني لا أعلم أبعاد حياتها وما قدره الله لها. ولعلي أرى نفسي بها، لعلي غيرُ راضية لما آلت إليه اختياراتي وحياتي، وكنت أظن أنني أستحق ما هو أفضل بكثير. لعلي نادمة، أو غاضبة، لأني لم أجد من يوجهني لتحقيق أحلامي التي كنت أتصورها لنفسي وأنا طفلة صغيرة مليئة بالبراءة والإصرار والحماسة والأمل. لعلي أظن أنني ضللتُ الطريق.
Comments